الجمعة، ٩ ديسمبر ٢٠١١

ممدوح والجندي المجهول......(قصة قصيرة)





ملحوظة: تلك القصة مستوحاة من وقائع حقيقية ودروس تعلمتها، مع اختلاف الأشخاص والمكان، ولعل هناك كلمات ترددت فى حياتي، وضعتها هنا كما هي، مع الحدث، لكن تظل المعاني التي تستخلصها من القصة، هي خلاصة أعوام عايشتها وتألمت فبها وتعلمت.



وحقٌ على المتأمل المتعمق، صاحب التجربة أن يسطّر لها عنوانا آخر.......(((دموع المربي)))ـ



عرفته فى نهاية فترة المراهقة، وبداية اكتمال النضوج العقلي والجسماني، كان غريبا فريدا عن أي مربي ٍآخر، اختارني....واخترته.

علمني ورباني وأرشدني، ووهبني أغلي مايملك....علمه، وتناصحنا وتلاعبنا وتضاحكنا وتباذلنا وتهادينا، وتمنينا من الله أن يجعنا فى جنته.

كان يردد دائما جملة الخضر: إنك لن تستطيع معي صبرا، وكنت أردد أنا دوما: ستجدني صابرا ولا أعصي لك أمرا.
فى ذلك المسجد فى شمال (قطاع غزة) كنا نصلي، كنت أستيقظ فجري كل يوم فأجده فى الصف الأول، وعندما تواصينا بسهام السحر، كنت أستيقظ قبيل الفجر بدقائق، فأجده أيضا فى الصف الأول، كان دائما يسبقني، أو أنني كنت دائما متأخرا، حتي أني حسبته لا ينام الليل......إنه أستاذي ممدوح.

كان معلمي الأول، إلي أن ظهر ذلك الرجل الذي تحدثت عنه (غزة) كلها، رجلٌ ملثمٌ، يظهر قبيل المغرب كل يوم، ليكون له مع العدو صولات وجولات إلي منتصف الليل، وعندما اتهم العدو حركة (حماس)، بانتماء هذا الرجل لها، نفت تماما –على الرغم بأن هذا شرف لها- فزاد هذا الأمر غرابة، لأنه حقا لم يكن ينتمي لها، أو على الأقل كانت تلك التحركات والضربات من تخطيطه هو وحده.

تفجيرٌ هنا، وتفجير هناك، أسير مقيد خلف ذلك المسجد، ودبابة محترقة على الحدود، وكل يوم قصة بطولة....وحيدا، بلا تنظيم ولا مساعدة، أي رجل ذاك!!

كان ولعي به يظهر جليا فى كلامي عنه، وكثير ذكري له، خاصة أمام أستاذي ممدوح، وكان دائما مايردُّ الأمر إلي معنيً إيماني، أو مردود تربوي –كعادة المربين-  فكان يُشجعني على تلك العاطفة القوية، وكان يلمح وأحيانا يصرح، بأنه لن يصل إلي هذه المرتبة –يقصد جندنا المجهول- إلا من كان بينه وبين الله سرٌ عظيم، وكنت أعلم أنه يحاول أن يوظف الحدث، ليغرس فىّ شيئا بعينه، أو يبعث إلي بمعني ما، فكنت أومئ رأسي، وماداخله –أقصد رأسي- مشغول كل الشغل بذلك الجندي، فكم سمعت ذلك الكلام مرارا وتكرارا، انتظرت منه –أستاذي ممدوح- أن يعلمني كيف أكون مثله، كيف أطور قدراتي، كيف أحسّن من استخدام سلاحي، كيف أناور، لكنه لم يفعل، ربما.....ربما لأنه لا يحسن ذلك، أو ربما هكذا ظننت.

أما صاحبنا الملثم،فقد كان يلهمني ويفجر فى عروقي الرغبة فى الجهاد والاستشهاد، ولكم حاولت أن أقابله أن أكلمه، لكنني فشلت، إلي أن جاء ذلك اليوم.

رأيته يركض مسرعا بعد منتصف الليل، حاولت أن أستوقفه، لكني ما استطعت، فناديت عليه بقوة، فتوقف ونظر إلي نظرة غريبة، ثم رحل....

رجعت إلي أستاذي فجرا ذلك اليوم، لم أستطع الاستيقاظ  قبل الفجر ككل يوم، فقد كنت مشغولا بالجندي، مشغولا بمقابلته، وعندما انتهت الصلاة، سألت فعلمت أن أستاذي جاء مبكرا كالعادة، فجلست بين يديه، وقصصت عليه حالي أمس، كعادتي فى أن أقص له كل شئ، حتي خواطري وخلجاتي، فصمت طويلا، ثم رفع رأسه إليه وفي عينيه الدموع، وقال: إنما أخاف أن تفتن به ولدي، اصبر معي، وثق بي، وستجد فى نهاية طريقك معي مبتغاك.

لم أفهم شيئا، فقلت مستنكرا كلامه ودموعه: ماتقصد شيخي؟

فقال وصوته يهتز: ماتركتَ قيام الليل منذ أن تعاهدنا عليه إلا الليلة، وأخاف أن أسبر أغوارك، وأفسر لك مكنونات صدرك فتسئ فهمي، ثق بي ولا تنس أول كلماتي،  والأساس الذي بنيانه معا، حتي لو طلبت منك أن تنسي ذلك الجندي قليلا.
ثم تركني وذهب، ولم ينتظر مني إجابة، وقبل أن يذهب نظر إليّ نظرة طويلة ملئها الألم والأسي، وبقيت وحدي فى المسجد أفكر، وتضاربت الأفكار، لم أعد أفهم شيئا أليس هذا أستاذي الذي كان يحثني دائما على الجهاد، وتعاهدنا أن نستشهد سويا، أليس هذا هو من رباني وصنعني، أليس هذا هو من أخذ بيدي حين كنت أحبو، وأرشدني إلي علامات الطريق، ماباله اليوم تغير وتبدل، أين أنت أيها الجندي، ياليتك تلقاه فتردد له:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ** لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ
من كان يخضب خده بدموعه ** فنحورنا بدمائنا تتخضبُ


ما أفعل الآن إلاهي، وما أصنع، إني عاجز عن التفكير، وظللت طوال اليوم أكلم نفسي، وأتعجب من أمري وحالي، وأذكر الجندي وبطولاته وصولاته وجوالته، وأذكر الأستاذ ومواقفه وكلماته وإرشاداته، وبقيت مستيقظا إلي نصف الليل، وسمعت رجلا يركض فى شارعنا، أنا أعرف هذا الركض، سمعته قبلا، فنظرت من شرفتي فإذ هو ذلك الجندي، نزلت مسرعا خلفه، رأيته فى نهاية الشارع، ثم.....ثم رأيت ذلك الانفجار، وانقبض قلبي، أيها الأوغاد، لقد توقعوا حركته القادمة، جريت إليه كالمجنون، داعيا الله أن يكون ذلك الانفجار من صنيعه، لكن مستحيل، إن الحدود لا تزال بعيدة،و......و رأيته مضرجا بالدماء، أعجزت الصدمة لساني، ونظرت له بذهول، مازال بتحرك، ما زاله فيه قلب ينبض، حاولت أن أحمله للمشفي، لكنه رفض، وقال لي فى صوت يشبه صوتا أعرفه: بل 

اجلس، إن جرحي عميق، وأنا ميت لا محالة...اجلس فإني أريدك.

وعلى قدر فرحتي بأنني تكلمت معه، على قدر ما كان ألمي عميقا، لأننا سنفقد هذا الرجل الذي تكلمت عنه فلسطين كلها، وعجزت مخابرات العالم كله أن تعرفه، لمده ثلاثة أعوام كاملة.

حملته علي صدري، ودمه ينزف بغزارة، فقال لي: لعلك الآن فهمتني...

!!!!!!!!!!!!!!!!!!

أي غموض هذا، همست بصوت خفيض: ما تقصد أخي؟؟

فقال بصوت مبحوح: يالله......ولدي!! ألم تعرفني بعد، أنا ممدوح.

وكانت تلك آخر جملة أتوقعها فى حياتي، تضاربت بداخلي المشاعر تماما، وتوقف عقلي لحظات عن التفكير، وشّلت جميع حواسي، ولم أعد أدرك أي شئ من حولي، إلا ذلك الشلال من الدموع الذي انهمر من عيني، واسترجعت أعواما من الذكريات فى ثواني، وتذكرت جملته: إنك لن تستطيع معي صبرا، وعجبت له كيف يركض ويجهد طوال الليل، ثم يرجع ليصلي قبل القجر بساعات، وتذكرت نظرته الأخيرة.....الآن فقط فهمتها، وتمنيت لو تعلق لي المشانيق لأني أسأت الظن به، لكن.....لكن لماذا، لماذا فعل كل هذا.
هكذا صرخ قلبي، وصرخت شفتاي، فابتسم ابتسامة حانية لعها تكون الأخيرة وقال: ولدي.....إن طريق التربية بطئ طويل يحتاج إلي صبر مضني وتحمل غير مسبوق، لكنه مضمون معروف نتائجه، ولست ألوم عليك فى شئ، كلوم الخضر لسيدنا موسي، وأعلم أنك قد تسئ الظن بي أحيانا، وقد لا تفهمني أحيانا أخري، وقد تستنكر علىّ فعلا ما، لكنني أشهد الله أنك صدقا صبرت صبرا طويلا مريرا.....أعجزني وأذهلني، لكنني الآن نبأتك بتأويل أفعالي، ولم يبق لك عندي إلا درس أخير..

فقلت والقلب مكلوم والدمع مجروح: وما هو؟!

فقال: لكل رجل عظيم، سرٌ عظيم، وكلما ازدادت عظمة السر بينك وبين الله، كلما ازداد تأثيرك فى الناس، وامتدّ بامتداد الأزمان، وتعاقب الأجيال...

ثم صمت قليلا، وتابع ودمعه مختلط بدمائه: وأنت ياولدي، ستكون أعظم مني، فاجعل سرك أعظم من سري.
ثم نظر إلي نظرة فخر ورضا........ثم رحل.

وتركني فى هذه الحياة............وحدي، لايصاحبني شيئا، إلا حلما غرسه بداخلي، أتقوي به كلما ذكرته.


فعلمت أن السر فى الإخلاص.

الأربعاء، ٢٦ أكتوبر ٢٠١١



أذكر هذا اليوم جيدا....يوم قابلته، أذكره وأذكر تاريخه وتفاصيله، وأذكر تلك الابتسامة العذبة الصافية التي لم تفارقه أبدا، وأذكر كلماته الأولي لي.....أذكر كل هذا ولا أنساه.

أحصي تلك المواقف القليلة التي كانت بيننا، لكنني لا أحصي كم أثرت فيّ وكم تركت فى قلبي بصمات واضحة، ولا أتعجب، فتفسير ذلك أجده فى كل مَن حوله، وفي كل انسان عامله أو خالطه أو صاحبه.

أري آثاره واضحة، وإن لم يكن يسمع خطواته أحد، ألمس ابتسامته العذبة وصدره السليم النقس الطاهر فى إخوانه من بعده، ولعلهم إن قرئوا كلماتي تلك يبكون أذشد من بكائي الآن.

أذكر أيضا كيف عانقني من أسبوعين بدفء وصدق وحنان، ولو كنت أعلم الغيب، لأعطيت ذلك العناق حقه، فيالحسرتي، إذن نحسب أن أناسا لنا باقون، وأن تقصيرنا فى حقهم لن يدوم، وننسي أيـُّـنا يفارق أخيه أولا.........آآآآآآه ياليتني احتضنته وقتها بقوة، ياليتني قبلت رأسه يومها، ولكن....

وأذكر كيف كان خبر الحادثة فاجعا صادما عجيبا، شابٌ فى العشرينات من عمره يدق الموت بابه بلا موعد ولا استئذان، نزيفٌ فى المخ، وكسور خطيرة، وهو الآن فى العناية المركزة.....يــــــــــا الـــلـــــه أيُّ رسالة متكررة تلك؟!!

لا زلت أذكر وفاة (عمر عيد) فى العام الماضي، نفس العمر ونفس الروح البهية الملائكية، ونفس الحادثة.......وكأن الله يبعثها إلي قوية، أن انتظر دورك.

لا أعلم ما كان شعورى طوال هذين اليومين، أملٌ ضعيف فى البقاء، ورهبة شديدة من اللقاء، حتي أني ما ذهبت للمشفي، لكني سألت.....فأخبروني، وتخيلت، فبكيت، ذلك الوجه البشوش.......كيف صار الآن؟!!

ثم رجُّني خبر وفاته رجا، ودارت الدنيا من حولي، وتماسكت بقوة، وحاولت أن أحبس دموعي فلم أستطع، ونزلت مسرعا، فلما سألوني: أذاهبٌ أنت إلي هناك، قلت: لا فلن أستطيع، ولم أفق إلا وأنا أمام ذلك المبني (مستشفي الطوارئ) ونظرت إليه جيدا وقلت فى نفسي: لعلك الآن ترقد آمنا فى إحدي الغرف أخي، فبكيت بشدة إلي أن وجدت إخواني هناك واقفين، فزادتني دموعهم دموعا، وآلامهم آلاما، وسمعت أحدهم يقول: هو الآن فى الثلاجة.
فزاد البكاء عنفا عندما تخيلت هذا المنظر......أيا أيها الجسد الطيب المسكين، إن روحك الآن فرحة سعيدة فلا تجزع.

وأغمضت عيني وتخيلت نفسي مكانه، وعلمت كم أن هذه الحياة حقيرة تافهة لاتستحق، ثم تمثلت بعض إخواني مكانه، فعلا نحيبي ورفعت يدي أن يارب لاتتوفني إلا وأنت راض عني، ولاتتوفهم إلا وقد ضمنتَ لهم الجنة، وغرست فى قرارة صدورهم تجاوزا منهم عن زلاتي وعثراتي وأخطائي.

وتذكرتك ياأخي، وعلمت كم أن الله يحبك أن اصطفاك من بيننا، ليريحك من أذي هذه الدنيا، فلعله اشتاق إليك، واشتاق إلي روحك معه، فأخذك من بيننا، لتسأنس به عنا، وتسعد بقربه منا، وتشفع عنده لنا، فلا تنسنا.....

(الله أكبر....الله أكبر) وسمعت أذان العشاء، وكأنني أسمعه لأول مرة فى حياتي، فجففت دموعي بصعوبة، ثم أخرجت هاتفي فى لا وعي، وأرسلت له رسالة أعلم أنه لن يقرئها:


سبقتنا يا أخي إلي الجنة

الاثنين، ١٥ فبراير ٢٠١٠

أحبك فى الله



أما وقد قررت أن أنشر شعري........




أفى الله كان الفؤاد يحبُّ
فإن كان بشرى لقلبى الوحيدْ

وإن لم يكن أين ضاعت سنونَ
هزمناها بعد عناءٍ شديدْ

فأين الوفاءُ ؟ وأين الصديقْ
تناسيت عهدى، وأىٌّ العهودْ

لـَـعهداً قطعناه ألا نخونْ
وألا نعادى وألا نحيدْ

أمَا اللآن عهدى غدرتَ
وإنىلِعهدك مازلت أوفى الوعودْ

ومازلت أصدقُ حبَّ الفؤادِ
ومازلت براً وفى النشيدْ

ومازال بالحبِّ يهوى الفؤادُ
إلى ناظريك وثغرٍ نضيدْ

ويسكن قلبى إلى مقلتيكَ
وتهدأ نفسى لقلبٍ فريدْ

فتنساب روح الحياة إلىَ
ويزداد شوْقى، وشوْقى عهيدْ

فهل ضقت ذرعاً بصحبٍ كريمْ
تناسيت أيام كنا ورودْ

ويوم أصابتنا أحزاننا
ويوم تغنيْنا لحناً مجيدْ

وخضنا الليالى وذقنا الأبابة
وكدنا بأن نأتى درب الخلودْ

فهل كلَّ هذا نسيتَ وكلَّ
أمانينا وسْط طريق ٍعتيدْ

وهل كلُّ مامرَّ فينا سراباً
وكلَّ السنين نسيتَ تبيدْ





الثلاثاء، ١٩ يناير ٢٠١٠




حسبي الله ونعم الوكيل

إهداء لأمثال هؤلاء
http://www.youtube.com/watch?v=xy1vJI351Kk&feature=player_embedded

بالله عليك، اقرأ التعليقات





(" ياغزة ماهُنتي، رمز العزة كُنتي، كلا بل مازلتي")

الأربعاء، ٦ يناير ٢٠١٠

وفي كل يوم لي عظة وعبرة



إلي كل أساتذتي ومربيّ، الذين غيروا فيّ تغييرا جذريا وإن لم يلحظوه، لابحكم السن هم أساتذتي، ولكن بحكم ماقدموه لي من معانٍ ودروس وعبر.

ربما يستعجب البعض من مقالي، حيث أن شهرين اثنين مدة ليست بالكثيرة، لكنني تعلمت فيها مالم أتعلمه فى سنين، وتَغيَّرت فيها الكثير من صفاتي الشخصية والأخلاقية وحتي العاطفية.

لاتعجب من كلامي فلن يلاحظ الفارق، إلا انسان عرفني جيدا قبل دخولي الجامعة وبعدها، وقلما ستجد مثل هذا الإنسان، بل قل لن تجده، فلا يعرف حقيقتها –نفسي- إلا هي.

لاتسلني ماذا تعلمت ولاكيف ولامتي، فهذا أمرٌ يطول شرحه، وفي كل يوم لي عظة وعبرة، من كل موقف، من كل كلمة، بل من كل نظرة.....فقط منهم، من هؤلاء الذين ربوني.

علموني كيف أضحي، كيف أخلص، كيف أجود.

علموني المعني الحقيقي للأخوة، وأسمي وأعظم معاني الإيثار.

علموني كيف أحمل الهم، بل كيف أحمل العبء وإن لم يُلقَ عليّ.

علموني كيف أوازن العواطف، وكيف أزن الكلام.

علموني كيف أتكلم، كيف أضحك، كيف أبتسم، بل كيف أصمت.

علموني متي أخفي، ومتي أبدي، متي أقسو، ومتي أحنو،بل متي وكيف أجمع بينهما.

علموني كيف بالأخلاق أرقي، وبالله أ ُعزُّ، وبغيره أ ُذل.

علموني كيف أعَلـِّم، كيف أعطي، وكيف لاأنتظر.

وقبل كل هذا علموني كيف أتعلم، وكيف أستفيد من كل مواقف الحياة، حتي الشوكة أشاكها، فمنها دروس وعبر.

علموني أشياءا استطعت أن أحصيها فى الأوراق، وأخري نُقشت فى جدار القلب بكلمات من دم، علموني بقصد أو دون قصد، لكني تعلمت.


ولو أن واحدا منهم ظن أني أبالغ فأنا أستطيع أن أحصي له ماقدَّر الله لي أن أحصي من دروس، وأما ماسهوت عنه، فليغفر الله لي، فإني أسأت حفظ الدروس.

ربما لايشعر الأخرين بما تعلمت، بل ربما لايشعر أساتذتي نفسهم بما كتبت، ولكني ماأردت إلا أن أرد الفضل لأصحابه، وإن كان هناك الكثير الكثير ممن أفضالهم عليّ لكني لست أحسب كلماتي تصلهم.

والله لولا أني أعلم أن كل فرد منهم قد يغضب مني، لقبَّلتُ يديه وسط الناس أجمعين، أنا لاأبالغ، لكني سأخسر كثيرا إن فارقتهم، أو باعد بيننا الزمن.

ترددت كثيرا فى نشر هذا المقال....لكنني عزمت أمري وتوكلت.

كيف أخجل من ذكر أفضال أساتذتي، بل كيف أبخل على الآخرين بأن يعلموا أسمائهم.....أشدُّ ماندمت عليه، أني لم أتعرف عليهم منذ بعيد، فيامن كنتَ قريباً منهم، أنت فى نعيم لست تدركه إلا بعد فوات الأوان، فلا يَفُتْك كله.

(سامحَ الله من أراد يوما أن يحرمني من معانقتكم العطرة.)

إلي كل أساتذتي.......أنا آسف على المقال، ومن قبله آسف على التقصير، وآسف على ظنون كثيرة قد خيبتها......




الاثنين، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٩

لا تجزع......فهناك من يعاني من الآلام أضعاف ماتعاني


عرفتُه منذ أول العام، حسنُ الطلعة مضيء الوجه، تنظر إليه فيتغلغل فى أعماق قلبك، هادئ النفس، ليّن الطباع، ذو خلق رفيع ،متدينٌ حق التدين، وله رغبة كبيرة فى تغيير نفسه للأفضل، يَأسـِرُك بابتسامته التي لا تكاد تفارقه، لاتري على وجهه عَبَسا أو حزنا، وكأنه يعيش فى عالم آخر، أو أنه ماعرف الهم قط.....أو هكذا ظننت.

كانت معرفتي به سطحية، لكنها توطدت شيئا فشيئا، خاصة عندما قدَّرَ لنا القدرُ أن نجتمع فى أمر ما، قررت أن أتعرف عليه أكثر، فبادرت بالحديث عن نفسي وأسرتي، والكثير الكثير، ثم جاء دوره فبدأ حديثه قائلا: أسرتنا أربعة، وتوقف برهة ثم أضاف: أو كانت أربعة، لم أفهم ما قصد بكلمة كانت، لكنه تابع قوله، ماتت أمي، ثم صمت قليلا، وكأنه يمنحني الفرصة لأفكر، أو ربما يستعيد ذكريات حزينة، لكنه قطع حبل أفكاري وقال: ثم مات أبي، لم أدر ِكيف دمعت عيناي وقتها، لكنها دمعت كما تدمع الآن، ومرة أخري لم يمنحنني الفرصة لأجففها، فأضاف: تزوج أخي الأكبر وأنا في البيت وحدي، حاولت جاهدا أن أخفي دموعي، ربما نجحت، لكن نارا من الأسي واللوعة كانت مشتعلة فى قلبي، ولأول مرة فى حياتي كلها، أشعر بالعجز والضعف.......

حاولت جاهدا أن أخفف من حدة الموضوع وأحسبني نجحت، ثم ودعته بحرارة، وانطلقت وحيدا، وأخذت أتذكر كلماته، وأنا الذي ظننتُه ماعرفَ الوحدة قط، فعرفتُ أنها عَاشرَتْهُ سنين، وأنا الذي حسبتُ الهمَّ لمْ يسْلك إليه طريقا قط، فعرفت أنَّ الهمَّ كان طريقه، سامحك الله أخي، لكم احتقرتُ نفسي بعدها، ولكم احتقرتُ كلُّ همّ قد أهمني يوما، وبينما أنا كذلك وجدت دمعة تفر من عيني، وفي هذه المرة لم أمنعها، بل قل لم أستطع، فلقد تحولت القطرة شلالا.....

رأيته.......

وحيدا فى أقسي ظروف قد يُوضع فيها انسان، وحيدا بلا أب ولاأم، ولا حتي أخت أو أخ يُؤنِّسُ عليه وحْشَته أو يخفف عنه فراق والديه، وحيدا فى بلد غير بلدته طالبا للعلم والهمُّ طالبه، وحيدا وأراه كالجبال الشوامخ لا يهتز ولا يفكر فى ماضيه إلا لِمَامَا، وحيدا وفي قلبه ألف ألف همّ يخفيه عن الناس، في بيته وحيدٌ، فى أهله وحيدٌ، لكنه ليس من أحبابه ومني وحيدٌ، وكذاك أحسبه من ربه.

سامحني الله على ماكتبت، فإني لاأتمني أن يري مقالي يوما، حتي لا يظن أني أشفق عليه، فإن قرأها، فليعلم أني عندما أراه يزول همي وتنكشف كربتي، وأشعر بسكينة واطمئنان فى قلبي، وماكتبت ماكتبت إلا لأني منه تعلمت ولأجله تألمت.....

بالله عليكم لاتسألوني عن اسمه.........فلن أجيب.



السبت، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٩

بين القدس.... والكأس



فى البداية.... إن كنتَ متعصبا رياضيا، فلا أنصحك بقراءة هذا المقال، فقد يكون سببا فى إنقاص قائمة الأصدقاء لديك واحدا، عموما إن قرأت المقال وظلت عصبيتك الكروية على حالها، فأنا أفخر بإنقاص قائمة الأصدقاء لدي واحدا........(قلت لك لا تقرأ المقال)

شئ جميل أن نجتمع كلنا على شئ واحد، وأن يكون هذا الشئ سببا فى جعل المصريين يدا واحدة، لكن ماليس جميلا إطلاقا أن يكون ذلك الشئ تافها...... إلى أقصي الحدود، وأن يكون ماهو أولي وأحق بأن نجتمع عليه، ثم تُفاجأ بأن نصف الشعب لايتضامن معك، وإن فعل فبلا حماسة، أو قل ببرود لايُوصف، فقط إرضاءا لضميره، أو حَرَجا منك، أو لعله حتي لايعلم، لا تعجب فهذا أمر طبيعي، فمن اجتمعوا على التفاهة محال أن يجتمعوا على الجد، ومن اجتمعوا على الباطل محال أن يجتمعوا على الحق.....

باطل؟!! وأيُّ باطل؟؟!! ذاك قد يكون سؤالك...... بالله عليك أي شئ قد يكون سببا فى مبادلة مشاعر الكره والبغض بين دولتين يَدِينان بدين واحد، قبل أن يدينا بلغة واحدة، لا سبب مهما عظم – أو هكذا أظن – ولكننا اليوم نتباهي بأن قطعة جلد منفوخة - كإربة من جلد حمار – نجحت فى ماعجز عن فعله أعداء الإسلام لمدة تزيد على ألف وأربعمائة عام، أنا لاأهوِّل ولاأبالغ، ولكن اسمع التعليقات على الإنترنت، أو في حارات مصر وساحات الجزائر، فمرحي لكرتنا الحمقاء.......مرحي لها....

ثم ماذا..... من للقدس؟؟!!! أهؤلاء المتعصبون العابثون الذين قد يقتلون بعضهم من أجل تذكرة، أو توقيع رخيص من لاعب؟؟ أم الذين قد يقتلون فريق منتخبهم، ويدمروا ممتلكاته إن خسر اليوم؟؟ لكي الله ياقدس، ومالكي سواه...... حسبي الله ونعم الوكيل، لو أننا نحارب يهودا، لانلاعب عَرَبا، مافعلنا مافعلنا.

وفى النهاية، كلمة أخيرة لكل متعصب رياضي، لك الحق أن تفخر بتعصبك أشد الفخر، أحْسُدُك عليه، واحْسِدْ نفسك عليه، فإننا إن فزنا بالكأس لا بالقدس، أو حتي تأهلنا للكأس، لاتأهلنا لتحرير القدس...... فالفضل يعود إليك، أتعلم لماذا، لأن تعصبك هذا سيكون سببا فى فوز منتخبنا، فإنهم يعلمون ماسَيَلقوْن إن خسروا اليوم، سواء بالسباب أو التعرض لهم ولأعراضهم، وأظن أن أجهزة الدولة كلها أمس ظلت تقوم الليل كله تدعوا الله كما لم تدعه من قبل، وتصلي له كما لم تصل من قبل، بأن يفوز منتخبنا الكريم، لارجاءا فى الفوز، بل خوفا من الهزيمة التي قد تسبب انقلابا لم يسببه حرمان لقمة عيش، ولا طغيان ظلم ظالم......

حّقَّ لكي أن تبكي ياأمتي.....ِ


الأربعاء، ١٩ أغسطس ٢٠٠٩

بدايتي

بداية, أنا لست مقتنعا بالتدوين, ولاأظن أن له دور فعال فى نقل فكر أو تغيير انسان, ربما هو وسيلة للتعبير عن الآراء المحبوسة, والعواطف المكبوتة, لكنه ليس صحيفة متاحة للكل أن يقرأها, بل هو محدود فلا يقرأ لك إلا من تريد أنت, عموما لقد قررت خوض هذه التجربة, عملا بنصيحة أخ لى, وسأنتظر الأيام علها تغير من نظرتى لهذا الأمر.



أسأل الله أن يعيننا على هذا العمل, وينفع به, فعسي كلمة تهز قلبا تكون خيرا لى من الدنيا وما فيها



أخوكم ..... المحب