الاثنين، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٩

لا تجزع......فهناك من يعاني من الآلام أضعاف ماتعاني


عرفتُه منذ أول العام، حسنُ الطلعة مضيء الوجه، تنظر إليه فيتغلغل فى أعماق قلبك، هادئ النفس، ليّن الطباع، ذو خلق رفيع ،متدينٌ حق التدين، وله رغبة كبيرة فى تغيير نفسه للأفضل، يَأسـِرُك بابتسامته التي لا تكاد تفارقه، لاتري على وجهه عَبَسا أو حزنا، وكأنه يعيش فى عالم آخر، أو أنه ماعرف الهم قط.....أو هكذا ظننت.

كانت معرفتي به سطحية، لكنها توطدت شيئا فشيئا، خاصة عندما قدَّرَ لنا القدرُ أن نجتمع فى أمر ما، قررت أن أتعرف عليه أكثر، فبادرت بالحديث عن نفسي وأسرتي، والكثير الكثير، ثم جاء دوره فبدأ حديثه قائلا: أسرتنا أربعة، وتوقف برهة ثم أضاف: أو كانت أربعة، لم أفهم ما قصد بكلمة كانت، لكنه تابع قوله، ماتت أمي، ثم صمت قليلا، وكأنه يمنحني الفرصة لأفكر، أو ربما يستعيد ذكريات حزينة، لكنه قطع حبل أفكاري وقال: ثم مات أبي، لم أدر ِكيف دمعت عيناي وقتها، لكنها دمعت كما تدمع الآن، ومرة أخري لم يمنحنني الفرصة لأجففها، فأضاف: تزوج أخي الأكبر وأنا في البيت وحدي، حاولت جاهدا أن أخفي دموعي، ربما نجحت، لكن نارا من الأسي واللوعة كانت مشتعلة فى قلبي، ولأول مرة فى حياتي كلها، أشعر بالعجز والضعف.......

حاولت جاهدا أن أخفف من حدة الموضوع وأحسبني نجحت، ثم ودعته بحرارة، وانطلقت وحيدا، وأخذت أتذكر كلماته، وأنا الذي ظننتُه ماعرفَ الوحدة قط، فعرفتُ أنها عَاشرَتْهُ سنين، وأنا الذي حسبتُ الهمَّ لمْ يسْلك إليه طريقا قط، فعرفت أنَّ الهمَّ كان طريقه، سامحك الله أخي، لكم احتقرتُ نفسي بعدها، ولكم احتقرتُ كلُّ همّ قد أهمني يوما، وبينما أنا كذلك وجدت دمعة تفر من عيني، وفي هذه المرة لم أمنعها، بل قل لم أستطع، فلقد تحولت القطرة شلالا.....

رأيته.......

وحيدا فى أقسي ظروف قد يُوضع فيها انسان، وحيدا بلا أب ولاأم، ولا حتي أخت أو أخ يُؤنِّسُ عليه وحْشَته أو يخفف عنه فراق والديه، وحيدا فى بلد غير بلدته طالبا للعلم والهمُّ طالبه، وحيدا وأراه كالجبال الشوامخ لا يهتز ولا يفكر فى ماضيه إلا لِمَامَا، وحيدا وفي قلبه ألف ألف همّ يخفيه عن الناس، في بيته وحيدٌ، فى أهله وحيدٌ، لكنه ليس من أحبابه ومني وحيدٌ، وكذاك أحسبه من ربه.

سامحني الله على ماكتبت، فإني لاأتمني أن يري مقالي يوما، حتي لا يظن أني أشفق عليه، فإن قرأها، فليعلم أني عندما أراه يزول همي وتنكشف كربتي، وأشعر بسكينة واطمئنان فى قلبي، وماكتبت ماكتبت إلا لأني منه تعلمت ولأجله تألمت.....

بالله عليكم لاتسألوني عن اسمه.........فلن أجيب.